المصدر أونلاين - نواف الحميري

....

.....

عاد التيار الكهربائي إلى مدينة تعز بعد انقطاع دام نحو أربع سنوات جراء الحرب الدائرة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين، واستبشر المواطنون خيرا بعودة النور، لكن العودة كانت مختلفة، فمؤسسة الكهرباء الحكومية لم تعد هي من يقدم الخدمة، التي انتقلت بقدرة قادر إلى القطاع الخاص، الذي بات يتحكم بها بشكل كلي في ظل غياب شبه تام للسلطات الرسمية.
فقد المواطنون القدرة على مواجهة التكاليف الباهظة لفواتير الخدمة التي تصدرها شركات التوليد التجارية، بينما حضر الجانب الحكومي في القصة كمستثمر قام بتأجير الشبكة العمومية للتجار، ويتحصل منها مبالغ شهرية، تذهب كمرتبات للموظفين عانوا من الفراغ وتحولوا للعمل في القطاع الخاص.
في هذا التحقيق نتتبع قصة كهرباء تعز منذ بدايتها، وكيف سلمت شبكة الكهرباء الى التجار، وحجم الضرر الذي اُلحق بالشبكة، ووضع المعدات التابعة للمؤسسة، والعائدات الضخمة التي تجنى من خلال الكهرباء التجارية، والعائدات التي تحصل عليها المؤسسة.
بداية القصة
دخلت اليمن في ظلام دامس جراء الحرب التي تلت انقلاب جماعة الحوثي المدعومة من إيران على الدولة واستيلائها على المؤسسات أواخر العام 2014، وكانت تعز واحدة من بين المحافظات التي انقطعت الكهرباء عنها بشكل كلي منذ 2015، حيث شهدت المدينة حرباً عنيفة قسمت المدينة الى نصفين، نصف منها بيد القوات الحكومية، وآخر بيد جماعة الحوثيين، حتى إن محطة الكهرباء الرئيسية في تعز "محطة الحوجلة" أضحت في منطقة التماس وانقسم الحوش المحيط بها إلى قسمين أيضا فيما بين المتحاربين.
في منتصف العام ٢٠١٨ اجتمع القائم بأعمال مدير فرع المؤسسة العامة للكهرباء بمحافظة تعز المهندس عارف غالب عبد الحميد مع موظفي الفرع (إداريون ومهندسون وعمال)، بهدف مناقشة الأوضاع التي تمر بها المؤسسة جراء المواجهات المسلحة والتي تسببت في انقطاع الخدمة عن أحياء المدينة الخاضعة لسيطرة الحكومة، وسبل إعادة الخدمة، وكذا رواتب ومستحقات موظفي الفرع المنقطعة.
خلال الاجتماع طرح المسؤول الحكومي على الموظفين فكرة تأجير شبكة الكهرباء التي مازالت صالحة للاستخدام لمجموعة من المستثمرين ليعملوا على توليد الكهرباء للمواطنين، لكن موظفي الفرع اعترضوا على الفكرة باعتبار أن الفرع لا يملك صلاحية قانونية لتأجير الشبكة وأن هذا الإجراء من اختصاص وزارة الكهرباء.
يقول مسؤول بارز في فرع مؤسسة الكهرباء بتعز لـ"المصدر أونلاين" إن الاجتماع الأول خرج دون نتائج، فاستدعى القائم بأعمال مدير فرع المؤسسة الموظفين لاجتماع آخر، وهناك أعاد لهم شرح الوضع، وحاول إقناعهم بفكرة التأجير، وأنها أمر ممكن، مستشهداً بوثيقة صادرة من قبل جماعة الحوثي، التي لجأت إلى هذه الطريقة لتوفير الكهرباء في مناطق سيطرتها، بعد فشلها في توفير الخدمة بشكل رسمي.
لكن موظفي الفرع كرروا رفضهم للفكرة كون الوثيقة ليست صادرة من وزارة الكهرباء التابعة للحكومة الشرعية، ولا يحق لهم التعامل معها بموجب توجيهات حكومية وطبيعة الأوضاع القائمة حينها.
وفي شهر أغسطس من العام نفسه، لجأ أول المستثمرين ويدعى (محمود الزوقري) إلى محافظ تعز السابق أمين محمود، وتقدم بطلب يتضمن رغبته باستئجار شبكة خطوط الطاقة الكهربائية في مربعات محدودة وسط المدينة، وهي أحياء (شارع جمال، شارع محمد علي عثمان) وتقديم الخدمة للمواطنين والمحلات التجارية المتواجدة في هذه الأحياء، مقابل إنارة الشوارع المذكورة، إضافة إلى صيانة الشبكة على نفقته الخاصة.
وجّه أمين محمود مدير فرع مؤسسة الكهرباء بعمل اللازم والتعاون مع المستثمر، وفق وثائق حصلنا عليها، وعلى إثر هذه التوجيهات أصدر مدير فرع المؤسسة أول ترخيص للمستثمر الزوقري، الذي أسس أول شركة تجارية لتوليد الكهرباء باسم (شركة يمن كو) بعد أن حصل أيضا على تصريح مزاولة مهنة. كما أبرم فرع المؤسسة أول عقد "غير قانوني" لتأجير شبكة خطوط نقل الطاقة الحكومية للشركة نفسها.

شركات وعقود
تالياً، اجتاحت الشركات التجارية لتوليد الكهرباء مدينة تعز، وهي حالياً من تتسيّد المشهد وتنير شوارع وحارات ومنازل المحافظة، حتى بلغ عدد هذه الشركات التي تمتلك تصاريح رسمية 12 محطة وشركة، تتوزع في مربعات مختلفة بالمدينة، وأولها بالطبع هي شركة "يمن كو" والتي يمتلكها "الزوقري"، بـ 16 مولداً كهربائياً، تتوزع كالتالي:
1- حي المسبح – مولدان اثنان بقدرة: 32 KW 240 - KW.
2- شارع جمال - 3 مولدات - 320 KW - 556 KW - 400. KW
3- منطقة بير باشا – 7 مولدات - 200- kw228 kw - 264 kw - 120 kw - 240 kw - 200 kw- 224. kw
4- منطقة النشمة – 3 مولدات - 200 kw- 180 kw - 120 kw.
4- حي الجمهوري والذي يتواجد فيه مولد واحد بقدرة 160 kw.
شركة الأخوين، يمتلكها المستثمر أحمد البعداني، ولديها عشرة مولدات كهربائية متوزعة في مناطق متعددة، كالتالي:
1- مدينة التربة – 4 مولدات، بقدرة: 320 kw- 480 kw - 350 kw - 480 kw.
2- منطقة المركز – 3 مولدات - 145 kw - 240 kw - 165 kva .
3- منطقة المنصورة – 3 مولدات - kw 80 - 45 kw - 145 kw.
شركة الأنوار، يمتلكها المستثمر عفيف القباطي، والذي يمتلك خمسة مولدات تتوزع في منطقة الحصب وتتوزع قدراتها كالتالي: 350 kw 160 - kw 280 - kw 350 - kw 360 - kw.
محطة الدبعي، يمتلكها المستثمر أمين محمد الدبعي يمتلك ثلاثة مولدات كهربائية في منطقة السمسرة تبلغ قدرة المولدات: 160 kw - 96 kw - 53 kw
شركة يمن باور، يمتلكها المستثمر أسامة البرطي، تمتلك ثلاثة مولدات كهربائية في منطقة الهريش، تبلغ قدرتها التوليدية: 140 kw - 256 kw - 320 kw.
شركة المتحدون، يمتلكها المستثمر محمد عبدالله سلطان، ولديها ثلاثة مولدات كهربائية في منطقتين:
1- سوق الأحد - مولدان - 200 kw - 120 kw.
2- منطقة العين - مولد واحد، تبلغ قدرته 80 kw.
شركة أنوار المدينة التي يمتلكها المستثمر وضاح العديني، لديها مولدان اثنان، في منطقة الباب الكبير تبلغ قدرتهما: 400 kw - 200 kw.
شركة النهضة، يمتلكها المستثمر شكيب ردمان، وتمتلك مولدان اثنان، في شارع محمد علي عثمان، تبلغ قدرتهما: 200 kw - 120 kw.
شركة الضبوعة، يمتلكها المستثمر عمر أحمد قائد، ويمتلك مولدان اثنان، في منطقة محطة النور، تبلغ قدرتهما: 80 kw - 150 kw.
شركة الحرمين، يمتلكها المستثمر النقيب، بمولدين اثنين في مدينة المخا، تبلغ قدرتهما التوليدية: 600 kw - 170 kw.
محطة الوفاء، يمتلكها المستثمر نصر إدريس، بمولد واحد في منطقة الصافية، وتبلغ قدرة هذا المولد 140 kw.
محطة النورس، يمتلكها المستثمر عبد الحبيب محفوظ، بمولد واحد، في منطقة المسراخ وتبلغ قدرة هذا المولد 60 kva.
في المقابل تعمل شركات أخرى دون تراخيص عمل، ولا تدفع أي مقابل لمؤسسة الكهرباء، وغالباً تكون تحت حماية قادة عسكريين.. وهي كالتالي:
محطة تعز، يمتلكها عبد الرحمن النقيب، ولديها أربعة مولدات، موزعة على منطقتين:
التحرير الأسفل – مولدان اثنان - 160 kw - 400 kw.
منطقة عصيفرة جامع السعيد – مولدان، تبلغ قدرتهما، 11/028552 - 11/029902.
شركة الحياة لايت، يمتلكها القائد العسكري محمد الجرادي، ولديها ثلاثة مولدات في مناطق، العسكري وصاله والجحملية والنقطة الرابعة، بقدرة: 180 kw - 200 kw - 350 kw، وكسابقتها تعمل هذه بدون أي تصريح، وتستخدم الشبكة الحكومية بالمجان، بذريعة أنها تابعة لقطاع عسكري.
عقود غير قانونية
بالرغم من العقود التي تمتلكها هذه الشركات إلا أنها عقود غير قانونية وفقا لخبراء، حيث يمنع قانون الكهرباء رقم (١) لسنة ٢٠٠٩، تأجير خطوط نقل الطاقة الحكومية، إضافة إلى القانون رقم (35) لسنة (٢٠٠٠).
وفي هذا الصدد تقول وفاء الصلوي مديرة الشؤون القانونية السابقة في المحافظة لـ"المصدر أونلاين" إن مدير الكهرباء السابق أبرم العقود استناداً إلى وثيقة صدرت من جهة الحوثيين، وإن هذه الوثيقة باطلة، كونها لم تصدر من الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وإنه (المدير) قام بالتلاعب واستعطاف المحافظ السابق من خلال التجار الذين توجهوا إليه بقولهم إن تعز تعيش في ظلام دامس بسبب خروج المؤسسة العامة للكهرباء عن الخدمة.
وتضيف: من هذا المنطلق قام المحافظ بالتوجيه من أجل التعاون مع هؤلاء التجار وتسهيل الإجراءات لهم، فقام مدير الكهرباء بإبرام عقود معهم من خلال التوجيه الذي تلقاه من المحافظ، وهي عقود باطلة وكان الأحرى بالمدير أن يرد بأن ذلك ليس من اختصاصه وإنما من اختصاص وزير الكهرباء.
وتظهر الوثيقة التالية الرأي القانوني الذي أدلت به القانونية "الصلوي" لمكتب المحافظ بتاريخ 4 نوفمبر 2019، مع بداية ظهور المشاكل التجارية، وكان هذا الرأي سبب إقالتها من وظيفتها، بحسب كثيرين.


من جهته أكد مدير الشؤون القانونية الحالي عبدالوهاب المليكي في حديثه للمصدر أونلاين، أن العقود التي أبرمت باطلة ولا يحق لأي أحد تأجير شبكة الكهرباء الا عن طريق الوزارة، ولكنه (المدير السابق) تجاوز ذلك، وأبرم العقود.
وأضاف: "رفعنا توضيحاً للوزارة بخصوص هذه التجاوزات التي قام بها القائم بأعمال مدير الكهرباء في تعز، ولكن الوزارة تغط في سبات عميق ولم تبدِ أي رد فعل حيال ذلك، واكتفت بالصمت المخزي كونها عاجزة عن توفير بديل عن الكهرباء التجارية مقارنة ببقية المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية"
ويظهر تقرير الشؤون القانونية بالمحافظة المقدم للمحافظ بتاريخ 18 مارس 2021، حول "الرأي القانوني بشأن حقوق وممتلكات كهرباء تعز والمرفوع من أمين أحمد الحاج ضد مدير الكهرباء السابق"، أن الأخير قام "بتسخير كافة المعدات والآلات التابعة للمؤسسة العامة، لأصحاب المولدات الخاصة، علاوة على تسخير موظفي المؤسسة لخدمة أصحاب المولدات".
وقال التقرير إن كل تلك الأعمال مخالفات قانونية جسيمة تستوجب المساءلة، موصياً بإحالة المدير السابق إلى نيابة الأموال العامة "لإضراره بمصالح الدولة"، وهو ما كان، فبحسب مصدر قانوني مطلع، "أحيل المدير السابق للنيابة، وحكم عليه بالسجن 6 أشهر، وتغريمه 60 ألف ريال يمني، لكنه ظهر بعد فترة وجيزة خارج السجن".


......


تخريب ونهب لممتلكات الطاقة
نتيجة لهذا الفشل الحكومي الذريع، توسعت الشركات الخاصة فيما أصبحت ممتلكات مؤسسة الكهرباء الحكومية عرضة للنهب والتخريب، يقول المهندس أمين الحاج رئيس لجنة حماية حقوق وممتلكات المؤسسة العامة للكهرباء إن العديد من المحولات التابعة للمؤسسة تعرضت للتخريب والتدمير والنهب، من قبل من وصفهم بـ"أفراد الجيش".
ويضيف: كان لدى المؤسسة 270 محول كهربائي مختلف القدرة والحجم، دمرت 210 منها، وخربت، مشيراً إلى أن قيمة هذه المحولات المخربة تقدر بحوالي مئة وعشرة مليون دولار، بحسب دراسة أولية أجرتها إدارة كهرباء تعز، ولم تشمل هذه الدراسة المناطق الريفية ولا المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين.
ويتابع الحاج: هناك أيضاً مخازن نهبت جميع محتوياتها مثل المخزن التابع للمؤسسة جوار مدرسة الوحدة، كانت فيه معدات ومحولات جديدة تم استيرادها من الخارج من أجل عمل محطة كهربائية جديدة، ولكن بسبب الأوضاع لم نستطيع اكمال هذه المحطة واضطررنا الى التوقف.
وأشار الى تخريب ونهب محتويات ثلاث محطات تحويل تبلغ قدرتها 33/11 kv وتبلغ تكلفة المحطة الواحدة مئة وخمسون مليون دولار.
وتقدر عدد المولدات المنهوبة خلال فترة الحرب من مختلف الشركات سواء منها الحكومية أو الخاصة بـ 30 مولداً بمختلف القدرة و الحجم وهي كالآتي :
1- مولد جامعة تعز.
2- مولدين تابعين لمؤسسة الجمهورية للصحافة
3- مولد رئاسة جامعة تعز
4- مولد كلية الطب - جامعة تعز
5- مولد مؤسسة السعيد
6- مولد مكتب المالية
7- مولد هيئة البريد
8- مولد مصلحة الضرائب
9- مولد المؤتمر الشعبي
10- مولد الادارة العامة لمجموعة هائل سعيد
11- مولد البنك المركزي المبنى القديم
12- مولد البنك المركزي المبنى الجديد
13- مولد مركز الدرن
14- مولد مكتب الصحة العامة والسكان
15- مولد نادي الضباط
16- مولد السجن المركزي عدد 2
17- مولد الجامعة الوطنية
18- مولد فندق شمسان
19- مولد محلات الفؤاد للتخفيضات
20- مولد مجلة الاسرة والتنمية ومكتب يمن تايمز - تعز
21- مولدات المقاول اللبناني.
بالإضافة الى ثلاثة مولدات كهربائية ومعدات أخرى نهبت من الحوش التابع للمؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي الذي كان تحت حماية افراد تابعين للواء 22 ميكا. وقامت المؤسسة برفع كشف بالمواد المنهوبة من مخازنها كما هو موضح في الوثيقة التالية:

ووفقا لعدد من المصادر التي تحدثنا إليهم بخصوص المولدات آنفة الذكر، فإن معظم تلك المولدات نهبت من قبل جنود في ألوية تابعة للقوات الحكومة، بعضهم كان مكلفاً بحمايتها، فيما رجحت بعض هذه المصادر أن هذه المولدات ذهبت لصالح الشركات التجارية، سواء منها ما نهبه نافذون يمتلكون هذه الشركات، أو بيعت لهم من قبل لصوص آخرين قاموا بسرقتها، إلا أننا وخلال إعداد هذه المادة لم نجد ما يؤكد هذا الادعاء.
العائدات
تحصل المؤسسة العامة للكهرباء على عائدات من خلال تأجيرها الشبكة للمستثمرين، يوضحها المهندس عقيل الشميري مدير الفاقد الفني وأخذ القراءات لـ الشركات التجارية فيقول إن الاتفاق تم على أن يدفع المستثمر عشرة ريال يمني عن كل كيلو وات يتم بيعه، بعد ذلك احتج المستثمرون على المبلغ الذي قالوا إنه مرتفع ولا يستطيعون دفعه ويجب على المؤسسة تخفيضه.
وأضاف: قام المدير السابق بـ تخفيض المبلغ الى 7 ريال مخصوم منها 15% مقابل الفاقد الفني، أي مقابل من يقومون بالتوصيل من الكابل الرئيس من دون عداد "سرقة الكهرباء بدون اشتراك"، ولم يتبقّ لصالح المؤسسة سوى 5.9 خمسة ريال وتسعة فلس فقط هي التي استقرت عندها الاتفاقية.
وبحسب الشميري، فإن المؤسسة لم تتفق مع المستثمرين على سعر محدد لكيلو الكهرباء بسبب ارتباط الأسعار بأسعار المشتقات النفطية علوا وانخفاضاً، "ولكن تم تقديم مقترح إلى المحافظة من أجل تحديد التسعيرة وبدأ العمل به ونزل مهندسون من أجل تحديد السعر الرسمي" وقدمت اللجنة توصيات مطلع نوفمبر من العام 2020.



وفي وقت لاحق، شكت مؤسسة الكهرباء الى المحافظ أن تلك التوصيات لم تنفذ، حيث قالت إن تلك التوصيات أحيلت إلى رئيس لجنة الكهرباء المهندس مهيب الحكيمي، إلا أن تلك المقترحات لم تدرس ولم تحدد أسعار الكهرباء.. وهو ما تشير إليه الوثيقة التالية الصادرة بتاريخ 11 مايو 2021:

استغل التجار غياب الكهرباء الحكومية عن المواطنين وغياب الرقابة والمحاسبة في بيع الخدمة بأسعار خيالية، فارضين رسوماً شهرية ورسوم اشتراك تدفع في المرة الأولى، وتقدر للمنازل بنحو ثلاثين ألف ريال يمني، اي حوالي (30 دولار)، فيما تبلغ رسوم الاشتراك عند ادخال التعرفة للمحلات التجارية حوالي خمسين الف ريال يمني، اي نحو (50 دولار)، مضافاً إليها سعر كابل التوصيل والأدوات الأخرى.
أما عن أسعار الخدمة فيبلغ سعر الكيلو وات الواحد نحو ألف ريال يمني، اي نحو (واحد دولار) إلى جانب رسوم الاشتراك الشهري أي رسوم التعرفة، والمقدرة بـ2000 ريال خلال الأشهر الماضية، على تفاوت واضح بين محطة وأخرى.
وفي وقت سابق أصدر محافظ محافظة تعز نبيل شمسان قراراً بخفض تكلفة الكهرباء التجارية، كما أمر بإلغاء رسوم الاشتراك الشهري التي يفرضها التجار على المواطنين، وتشكيل لجنة لتحديد سعر التكلفة بحسب أسعار المشتقات النفطية، وحدد سعر التكلفة للخدمة كما هو موضح في الوثيقة التالية.
شكلت اللجنة وأصدرت وثيقة حددت سعر التكلفة بناء على أسعار المشتقات النفطية، وبناء على الوثيقة التالية والتي أقرها المحافظ، يفترض أن سعر الكيلو وات لشهر مايو 674 ريالاً، غير أن هذا القرار بقي حبراً على ورق ولم يطبق على أرض الواقع.

لكن الفواتير الصادرة نهاية شهر مايو الفائت ومنتصف الشهر الجاري، توضح أن لا شيء من ذلك خرج إلى أرض الواقع، إذ لا يزال سعر الكيلو وات الواحد بين 850 و 900 ريال يمني، وفيما يخص الاشتراك الشهري، فقد ألغي البند، لكنه عاد بمبلغ ألف ريال باسم "بدل فاقد". علما أن هذا البند اتفق عليه سابقاً أن يتم خصمه من عائدات المؤسسة.

أرباح مهولة
اما عن حجم الأرباح التي يجنيها تجار الكهرباء التجارية، فمن خلال بحثنا وتتبعنا للوثائق حصلنا على تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لعامي 2019، 2020، الذي يوضح حجم هذه المبالغ المهولة، حيث يبلغ صافي الأرباح للعامين المذكورين، حوالي ثلاثة مليار وست مئة وخمسة وتسعين مليون وثلاثة وأربعين ألف وأربع مئة ريال يمني، فيما بلغ عدد المشتركين خلال العامين حوالي 16 ألف مشترك كما هو موضح في الوثيقة التالية:
يشار إلى أن تقديرات مراقبين تفيد أن عدد المشتركين زاد نحو الضعف خلال العامين الأخيرين.


وتمثل وثيقة حصلنا عليها نموذجاً لكمية الاستهلاك الشهري لـ شركتين من الشركات التجارية، هما: "شركة يمن كو" التابعة للمستثمر محمود الزوقري، و شركة الأخوين التابعة للمستثمر أحمد علي البعداني" حيث تبلغ كمية الإخراج للتيار الكهربائي للمواطنين في الشركة الأولى "34499031"، وفي الثانية "10435981" كيلو وات. كما توضح سعر الكيلو وات الواحد وهو 850 ريال.


حلول غدت مشاكل
مضى أقل من عام على عودة الكهرباء إلى تعز، حتى بدأت المشاكل بالظهور، الأمر الذي دفع بالسلطة المحلية ممثلة بمؤسسة الكهرباء إلى المطالبة بلائحة تنظم عمل هذه الشركات، وخرجت الوثيقة الأولى بهذا الخصوص، وفصلت اللائحة التي اقترحتها المؤسسة لوائح تنظيم عمل المولدات الخاصة والعقود الموقعة مع أصحابها وصيغة التراخيص وغيرها.
كما حددت سعر الكيلو وات من الكهرباء وقيمة الاشتراك في الخدمة ورسوم إدخال الخدمة وتركيب العدادات، كما هو موضح في الوثيقة التالية:


لكن هذه الوثيقة رغم أهميتها وما كان يؤمل عليها في ضبط العملية ذهبت أدراج الرياح كغيرها، بل غدت مشكلة من المشاكل الكثيرة لكهرباء تعز.
عقب ذلك قررت السلطة المحلية أن العودة للكهرباء الحكومية هو الخيار الأنسب، وشكلت لجنة لدراسة تكاليف إصلاح الشبكة وإعادتها إلى الخدمة، لكن النتائج التي خرجت بها تلك اللجنة كانت كبيرة بالنسبة للسلطة المحلية والجانب الحكومي، حيث تزيد عن 122 مليون دولار. كما في الوثيقة التالية:

يقول مصدر مطلع إن ضخامة المبلغ المقدم أوجد مبرراً للجانب الحكومي للتنصل من مسؤوليته في دعم وإصلاح كهرباء تعز، مشيراً إلى جهات ومستفيدين داخل السلطة المحلية وكانوا من ضمن من قام بهذه الدراسة بالوقوف وراء ظهور هذا الرقم الكبير "بهدف دفع الحكومة إلى رفض الفكرة، واستمرار مصلحتهم من الكهرباء التجارية".
ويتساءل المصدر: لماذا لا تقرر السلطة المحلية مثلاً إصلاح محطة عصيفرة، والتي ستكفي لتوفير الكهرباء في المدينة على الأقل، وهي بعيدة عن مناطق التماس؟
ويضيف: لماذا أقيلت مديرة مكتب الشؤون القانونية السابقة "وفاء الصلوي" من إدارة المكتب بعد صدور تقريرها (الوارد أعلى هذا) ونقلت إلى إدارة الشؤون القانونية في مستشفى الثورة؟
الحكومة في سبات
في العام ٢٠١٩ قدم محافظ محافظة تعز طلباً الى رئيس مجلس الوزراء معين عبد الملك من أجل اعتماد مولدات بقدرة 30 ميجا وات، وافق مجلس الوزراء على الطلب بعد أن عرض عليه، ولكن المشروع ما يزال حبراً على ورق حتى الحظة، ولم تحصل تعز منه على شيء.

وفي مطلع مايو الماضي، ضم اجتماع وزير الكهرباء والطاقة الدكتور أنور كلشات، ومحافظ تعز نبيل شمسان، من أجل إجراءات بدء العمل على تنفيذ محطة كهربائية بقدرة 30 ميجا وات بنظام (بي اوتو) المعتمدة من قبل الحكومة للمحافظة، وتجهيز وثائق مناقصة ٣٠ ميجا وات للمحافظة بنظام (بي اوتي) وتعمل بالمازوت.
لكن اللقاء لم يكن حتى محط آمال المواطنين، يقول الحاج محمد حسن، أحد المشتركين في خدمة الكهرباء التجارية "نحن لا نصدق الحكومة بانها ستعيد الكهرباء، نحن نعاني من انقطاع الكهرباء منذُ بداية الحرب والحكومة تنظر لنا وتغض الطرف وكأننا لا نعنيها بشيء".
ويضيف: "يوجد بديل عن الكهرباء ولكن هذا البديل باهظ الثمن ولا أستطيع تحمل أعبائه، أحد هذه البدائل هي الطاقة الشمسية لوكن لا نستطيع استخدامها كما نريد فطاقتها ضعيفة والكهرباء التجارية أسعارها مرتفعة جداً .. يستغلون حاجة الناس الى أبعد حد، ولكن الحاجة وانعدام المسؤولية والرقابة من قبل السلطات هي من جعلتنا كمواطنين نرضخ امام جشع تجار الكهرباء".
ويتابع: "تصل رسوم الكهرباء الشهرية في منزلي الى أربعين ألف ريال وذلك بسبب أنها تجارية".
ويجمع الخبراء الذين جرى التواصل معهم خلال فترة إعداد التحقيق على أن عودة هذا القطاع المهم من يد المستثمرين وجشعهم يمثل الخطوة الأهم لضمان حصول المواطن على حقه في هذه الخدمة بالسعر المناسب، وأن على السلطة المحلية والحكومة العمل على إيجاد حلول وبدائل لإنقاذ المواطن من أن يظل عرضة للنهب من قبل ملاك هذه المحطات.
كما يرى رئيس حماية حقوق وممتلكات المؤسسة العامة للكهرباء أمين الحاج أن الخطوة الأولى يجب أن تبدأ الدولة التي يجب أن تتكفل بتوفير المشتقات النفطية وتدير المحطات التجارية وتتكفل هي بتحديد اسعار الكهرباء وصيانة المولدات والشبكة وهي من تصدر الفواتير وتتحصلها من المواطنين، وتدفع مستحقات ملاك هذه المولدات، لاسيما وأن الطاقة تتوزع عبر شبكة الكهرباء العمومية.
الخطوة التالية تتمثل إصلاح وصيانة محطة عصيفرة كونه أقل المحطات التي تعرضت لدمار أقل قياساً بالمحطات الأخرى كما أنها بعيدة نسبياً عن خطوط التماس، وكفيلة بتوليد التيار الكهربائي لـ نصف المدينة على الأقل.