عقد من تكريس التخلّف، وتنمية الجهل (4).. أهداف الألفية وواقع التعليم في اليمن

في سبتمبر/أيلول2000م، اتفق ممثلو الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وعددها 193 دولة، على تحقيق 8 أهداف، بحلول عام 2015م، وعُرِفت تلك الأهداف بالأهداف الإنمائية للألفية (Millennium Development Goals MDGs)، وجاء النص على أن الهدف الأول منها؛ القضاء على الفقر المدقع والجوع([1])، وبمقارنة مدى السعي في تحقيق ذلك الهدف في حقبة السيطرة الحوثية، مقارنة بما قبلها فسنجد أنها تزايدت سريعاً على نحو مطّرد. ووفقاً لكلمة رئيس الجمهورية – حينذاك- عبد ربه منصور هادي، أمام أعمال الاجتماع الوزاري الثامن لمجموعة أصدقاء اليمن في نيويورك، في 24 سبتمبر/ أيلول 2014م المتزامنة مع أسبوع سقوط صنعاء بأيدي الحوثيين فإن نسبة الفقر والبطالة بين الشباب كانت قد بلغت- حينذاك- نحو 54% و45% على الترتيب، وهما من أعلى المعدلات في العالم ([2])، في ذلك الحين، أمّا في أواخر مايو/ أيار 2016م؛ فقد بلغت أكثر من 85 %، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، من جرّاء الحرب الدائرة في البلاد ([3]) أمّا نســبة الأفراد الذيــن يعانــون مــن فقــر متعــدد الأبعاد (التعليم والصحــة، وصحــة الطفــل والأم، والخدمــات، ومســتويات المعيشــة، والتوظيــف)، فبلغت وفق تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لسنة 2023م؛ 82,7%، أي أن أكثــر من ثمانيــة مــن كل عشــرة أشــخاص فــي البلــد يعانــون مــن فقــر متعــدد الأبعاد([4])، أمّا وفق تقديرات سنة 2025م، أي بعد انقضاء 10 سنوات، من الحرب بما يتضمن من نزوح وتشريد واختطافات وفقر ومرض وتجهيل ممنهج وغير ممنهج؛ فقد بلغ معدّل الفقر النقدي- وفقاً- لمنظمة اليونيسف- مايقارب80%، ناهيك عن الفقر متعدّد الأبعاد، من صحة وتعليم وتغذية وحماية ورعاية شاملة، حيث تجاوزت معدّلات بعضه الـ 90% ([5]).

إن مقارنة وضع التعليم قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء وغيرها من المحافظات في سنة 2014م، بالتطورات اللاحقة، أي بعد سيطرتهم ومضي 10 سنوات على ذلك؛ سيدّلنا على أن حجم ما حدث في هذه المرحلة يفوق ما حدث قبلها بعقود متطاولة، وأن أمنية العودة إلى الوضع في سنة 2014م بات من قبيل الأماني بعيدة المنال، على المدى المنظور، رغم أنّه كان وضعاً سيئاً إلى حدّ كبير قبل ذلك. وهذه المقارنة ليست في جانب البنية التحتية والإمكانات المادية فحسب، بل في جانب إفقار البلاد من رأس المال الإنساني، حيث تم القضاء على جزء كبير منه، على نحو مباشر بالقتل والتهجير والمطاردة والتشريد والاختطاف والتوعّد والتهديد والمرض والإفقار...إلخ،، وعلى نحو غير مباشر حين أُجْهِض جزء آخر منه، بعد أن تمَّ اغتيال أحلام الناشئة والطلبة، في الجزء المحدود من بنية التعليم، الذي كان لايزال يمثّل علامة أمل للمضي نحو المستقبل، وما كان يعنيه ذلك لهم من أمانٍ نفسي وانتماء اجتماعي.

تتحدث الأرقام والإحصاءات عن نسبة مهولة من التسرّب والانقطاع عن التعليم، تتنامى خارج المدرسة كل يوم، وكلما مرّت سنة ازدادت معدلاتهما، حتى بلغ عدد الأطفال خارج المدرسة في سنة 2023م - وفق ممثل منظمة اليونيسف في اليمن، بيتر هوكينز- 4,5 مليون طفل يمني . وعلق هوكينز على ذلك الرقم بما يعني أنه "في غضون ما بين خمس وعشر سنوات؛ ربما يكون الجيل القادم أمياً، وربما لا يعرف الحساب، ولديه القليل جدا من المهارات الحياتية والتأسيس، وهذا سيكون أمراً إشكالياً أكثر وأكثر مع انتقال البلاد إلى المرحلة التالية مع جيل جديد".([6]) .

وأضاف في حوار تالٍ مع موقع أخبار الأمم المتحدة على الخلفية ذاتها فوصف الوضع بقوله :" إنها قنبلة موقوتة في الأساس، 4.5 مليون طفل خارج المدرسة وهو رقم هائل"([7]) .


لقد بلغ التمادي في ما يمكن وصفه بفرض الجهل على الجيل فرضاً، في ظل صلابة من بعض الأطفال ورغبة جامحة للتعلّم، تحت ظروف قاسية. وقد وصف بيتر هوكينز ذاته حال الأطفال وأوضاعهم في بيئة التعلم فقال :" لقد رأيت أطفالا في مدارس ليس لها جدران، ومدارس بها مياه على الأرض، ومع ذلك يجلس الأطفال على الأرض في تلك الحالة الرطبة، لكنهم يريدون الدراسة والتعلم. لقد رأيت 12 فتاة في الصف الحادي عشر يجلسن على الأرض في العراء أسفل شجرة، يتعلمن قدر ما يستطعن ​​ويحاولن إنجاز شيء" ([8]) .

وبدلاً من إنشاء المدارس ومؤسسات التعليم بكل مراحله ومستوياته وتطويره؛ إذا بسلطة الأمر الواقع الحوثية تعمل على إزالة ما هو قائم، من خلال صناعة الجهل وتنميته، ولذلك صوره الكثيرة، كمنع الرواتب عن المعلّمين، وإقصاء كل صوت معارض لهم من الوسط التعليمي، وبتزوير النتائج، ومنح أعلاها للموالين لهم، حتى لو لم يحضروا الاختبار، وبتحريف المناهج، والتشجيع على الالتحاق بالمقابر – وهي منجز الحوثيين الوحيد- من بوابة الجبهات، وبتخريج جيل أقصى ما لديه عقيدة "دوغمائية" تُقدِّس "السيّد"، عبر قسم الولاية "الكهنوتي" الرهيب، وتقاتل- من ثمّ- في سبيل بقاء حكمه.

* (المصدر أونلاين)

* أ.د أحمد الدغشي – أستاذ أصول التربية وفلسفتها – جامعة صنعاء

-----------------------

([1]) راجع: الأمم المتحدة، الأهداف الإنمائية للألفية في المنطقة العربية 2005م، 9/12/2005م، نيويورك، الأمم المتحدة، ص 42.

([2])عبد ربه منصور هادي، صحيفة 26سبتمبر، 25سبتمبر/أيلول2014م، العدد (1783)، ص3.

)3) راجع: الجزيرة نت متاح على الرابط https://2u.pw/wNmD1f، البنك الدولي: نسبة الفقر في اليمن تتجاوز 85%،31 /7/2016م (شوهد في 5/8/2016م).

)4) البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، متاح على الرابط https://2u.pw/uN7Il1، قياس الفقر متعدد الابعاد في اليمن، ديسمبر 2023م، ص 6( شوهد في 20/9/2024م).

([5]) صفحة اليونيسف على الفيسبوك، متاح على الرابط https://2u.pw/qxf06B، 7/5/2025م (شوهد في 25/9/2025م).

([6]) أخبار الأمم المتحدة، متاح على الرابط https://2u.pw/7Hn1G0NK، اليونيسف: وجود 4,5 مليون طفل يمني خارج المدرسة قنبلة موقوتة، وادعاءات التواطؤ لتدمير التعليم لا أساس لها من الصحة،16/9/2024م (شوهد في 20/9/2024م).

([7]) أخبار الأمم المتحدة، اليونيسف: وجود 4,5 مليون طفل يمني خارج المدرسة قنبلة موقوتة، المرجع السابق.

([8]) أخبار الأمم المتحدة، اليونيسف: وجود 4,5 مليون طفل يمني خارج المدرسة قنبلة موقوتة المرجع نفسه.


شارك الخبر


طباعةإرسال