أدّى استمرار سياسة الحوثيين في توجيه عناصرهم للإطباق على مفاصل جامعة صنعاء، تلك التي بدأت باقتحام كلية الطب، عقب اجتياحهم صنعاء في 21/ 9 /2014، ثمّ السيطرة على منشآت الجامعة، بما في ذلك إدارتها العامة، وكلياتها ومراكزها، إلى تأزيم الحياة الجامعية بكل مفاصلها، وانعكس ذلك تلقائياً على الطالب الجامعي، بوصفه محور العملية التعليمية والأكاديمية، والمستهدف الأساس بالتعليم الجامعي، لاسيما بعد أن استمرت العناصر الحوثية في رفض السماح للجهات الأمنية الرسمية بالعودة لممارسة مهامها، أو تسليمها مهمة الأمن لشركة حراسة مدنية، بعيدة عن سيطرة الحوثيين. وظل الأمر على وضع التأزم هذا، حتى بعد مرور أشهر على إسقاط صنعاء، خلافاً لما كان يردّده الحوثيون في البداية من أن ذلك وضع مؤقت محدود، استحدث للحفاظ على المؤسسات من النهب والسرقة، وأنهم ملتزمون بتنفيذ اتفاق السلم والشراكة! بل إن الحوثيين شرعوا في وضع عناصرهم- بما في ذلك المصنّفون على الطلبة- في السيطرة على كل مفاصل الجامعة، للتحكم في مسار العملية الأكاديمية والإدارية والأمنية جميعاً، بما في ذلك مراقبتهم لاجتماعات المجالس الأكاديمية، وأهمها – حينذاك- مجلس الجامعة. ولم يعدموا قيام منتسبين إلى السلك الأكاديمي والإداري، بوصفهم ممثلين لهم (رسمياً) في كل المرافق الرئيسة للجامعة.
ولما بلغ الأمر ذلك المدى فقد دفع بالحركة الطلابية الجامعية لإقامة العديد من المسيرات والتظاهرات ووقفات الاحتجاج المتكرّرة داخل حرم الجامعة، رفضاً لبقاء العناصر الحوثية فيها، بكل مسمياتها، وفي مقدّمتها الجهات الأمنية، والبدائل الحوثية لاتحاد طلاب اليمن، تحت عنوان (اللجان الطلابية الثورية)، حتى تمكنت الحركة الطلابية في 10ديسمبر/ كانون الأول2014م من تحقيق مطلبها واضطرار الحوثيين للاعتراف بذلك، ونزولهم عند إرادة الطلبة، فأعلن الحوثيون موافقتهم على انسحابهم من (حراسة الجامعة)، على أن تقوم رئاسة الجامعة بنفسها بتكليف شركة خاصة، أو غيرها، وبلغ الأمر بالحوثيين أن ألقوا بأسلحتهم (الكلاشينكوف) على الأرض، أمام الطلبة، غير أن الحركة الطلابية لم تكتف بذلك وأعلنت أنها ستشكل لجنة طلابية لمراقبة التسليم والاستلام لحراسة الجامعة، بشركة حراسة مدنية، واستكمال مطالب أخرى لهم من قبل رئاسة الجامعة([1]). ولعل ذلك جاء على خلفية ما تردّد من ضعف إظهار الجدّية من قبل الحوثيين وأن تلك المظاهر في إعلان الاعتراف بالخطأ وإلقاء السلاح إلى الأرض، مجرّد مخاتلة منهم، لامتصاص غضب الحركة الطلابية، والتنفيس عن احتقانها مؤقتاً- وهو ما تأكّد لاحقاً- حين أعلن الحوثيين أن اتفاقاً تم بين رئاسة الجامعة ومدير أمن أمانة العاصمة – حينذاك- العميد عبد الرزاق المؤيد (المحسوب على الجماعة)، لتقوم مديرية أمن الأمانة بإحلال عناصر أمنية ([2])، في حين تردّد على نطاق واسع بأنها عناصر حوثية أدمجت في الأمن، بناءً على مطالب حوثية، وذهب البعض إلى أنها العناصر السابقة ذاتها، أو من رفاقهم الذين ألبسوا (البزة العسكرية) ليس أكثر. وتأكّد كل ذلك بما شهدته الأيام التالية، حين توجهت دعوات الشباب الثائرين من الحركة الطلابية الجامعية خاصة، نحو التجمع بساحة التغيير المقابلة للبوابة الرئيسة للجامعة، فإذا بكل بوابات الجامعة تتحوّل إلى عناصر حوثية، منها ما يرتدي البزّة العسكرية، ومنها ما ظل بزيّه الحوثي (المميَّز)، قبل أن تتحول العملية إلى سيطرة كاملة مستمرّة محكمة متفردة، من قِبَل الحوثيين، على مدى بقاء مرحلة سيطرتهم على صنعاء وغيرها من المحافظات، على حين ظلت حالات الاختطاف تلاحق العناصر الطلابية، لاسيما في جامعة صنعاء، ومنذ شهر ديسمبر/كانون الأول 2015م تحديداً، خاصة بعد أن أخفقت محادثات جنيف (2)، بين الحكومة الشرعية والحوثيين، وتمكّن الجيش الوطني والمقاومة من تحقيق انتصارات متلاحقة في مأرب والجوف، مما دفع الحوثيين لمزيد من إحكام قبضتهم على كل ما يقع تحت أيديهم، ومن ذلك جامعة صنعاء، بكل مفاصلها.
ونظراً للدور الطليعي الذي اضطلعت به الحركة الطلابية في جامعة صنعاء؛ فلم يتم الاكتفاء بمن تم خطفهم من شباب القطاع الطلابي وتشريدهم أو ملاحقتهم، بل استمر مسلسل الاختطافات، حتى طالت رئيس اتحاد طلاب اليمن- حينذاك- رضوان مسعود، ولم يطلق سراحه إلا في 29/7/2017م، أي بعد مضي 10 أشهر من تاريخ اختطافه، كما شمل الحكم الصادر في 9/7/2019م عما يسمّى بـ(المحكمة الجزائية المتخصصة) بصنعاء، تلك التي يسيطر عليها الحوثيون، حكماً بالإعدام بحق 30 مختطفاً، منهم عدد من طلبة جامعة صنعاء.
بعد ذلك غدت جامعة صنعاء مسرحاً لكل أنشطة الحوثيين، وفي مقدّمتها استهداف طلبة الجامعة، بمختلف فعالياتهم، ومنها - على سبيل المثال-ماتم في الأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز2017م -1438هـ - ليصبح تقليداً سنوياً بعد ذلك- من إقامة فعاليات عدّة في مختلف كليات جامعة صنعاء بمناسبة ما وصفته الجماعة بأسبوع الصرخة (الله أكبر. الموت لأمريكا....) ، ملوّحة بالتهديد والوعيد، واستعملت العنف فعلياً في بعض الحالات تجاه طالبات لم يتفاعلن مع ترديد شعار (الصرخة) في كلية التربية- صنعاء، صحب ذلك توزيع لاتهامات الخيانة وموالاة العدوان (أي التحالف العربي بقيادة السعودية)، بحق كل من لم يبدِ تفاعلاً مع الحوثيين وفعالياتهم، أو أظهر ما يشي بالتحفّظ على تلك الفعاليات. ولم يقف الأمر عند حدود اتهام الطلبة، بل شمل الاتهام حتى أعضاء هيئة التدريس وموظفي الجامعة.
بلغت سياسة الحوثيين في فرض الأيديولوجيا الخاصة بهم تجاه الطلبة، قيام بعض مدرسيهم في الجامعات- وعلى رأسها جامعة صنعاء- بقسر الطلبة على اعتناق معتقداتهم الخاصة بذريعة (مواجهة العدوان)، إلى الدرجة التي تتحول فيها أسئلة الاختبارات في بعض المقررات إلى أداة لفرز الطلبة المتبعين لهم من المخالفين، وإن تطلب ذلك إقحام أسئلة (مسيّسة) (فجّة) على بعض المقرّرات، التي لا علاقة لها من أيّ وجه بالمذهب السياسي، ويعمد بعض مدرسيهم إلى ابتلاء الطلبة بأسئلة (ساذجة) لكنها تدور حول تقديس رئيس الجماعة، أو مؤسسها، أو بعض رموزها، والويل والثبور لكل من يخرج ن ذلك التوجّه، وهذا كثير شائع متداول، ومستمر لمحاولة فرضه على الوسط الطلابي، خاصة في الكليات والأقسام الشرعية، وفي مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية كذلك!
وفي سياق تكريس المفاهيم الطائفية للحوثية، وتحت ذريعة مناصرة غزة؛ وجهت وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي (في حكومة الحوثيين) في شهر يناير/ كانون الثاني 2025م الجامعات الحكومية والأهلية، الخاضعة لسيطرتها، بضرورة إلزام جميع طلابها وطالباتها بحضور دورة سمّوها دورة " طوفان الأقصى"، لمدة أسبوع كامل، على أن يتم تعليق جدول الدراسة والاختبارات النصفية إلى حين انتهاء الدورة . وشددت الوزارة على ضرورة الحضور، ومعاقبة من تخلّف، بتأجيل بعض المواد الدراسية له، وكذا من حضر، ثمّ لم يلتزم بتعليمات الحوثيين وتوجيهاتهم الصارمة؛ فإنه سيعاقب بإضافة يوم إضافي عليه في الدورة ، ثم تم التشديد على أنه سيتم. وضع اختبار نهائي إلزامي، ودرجته محسوبة ضمن متطلبات النجاح([3]).
توقفت الحركة الطلابية باكراً عن مواجهاتها المباشرة مع الحوثيين، ولعل ذلك يرجع إلى مستوى العنف متعدّد الوجوه، الذي اتسمت به سلطات الحوثي الأمنية، وما جرى لعدد غير قليل من طلبة الجامعات وناشطيها، من تنكيل غير مسبوق في سجون الحوثيين، خاصة ممن عُرفوا بنشاطهم في ثورة الربيع اليمني في 2011م، لكن ذلك لا يعني أن الحوثيين تمكنوا من صناعة قاعدة طلابية عريضة موالية حقاً لهم، بل من الواضح لمن يتابع المشهد الحوثي عن كثب، أن ثمّة احتقاناً كبيراً في نفوس أغلبية الطلبة الجامعيين، بمستوياتهم المختلفة، تجاه الحركة الحوثية وسلطاتها بصورة عامة، والأمنية على نحو أخص.
* (المصدر أونلاين)
أ.د أحمد الدغشي – أستاذ أصول التربية وفلسفتها – جامعة صنعاء
-----------------------------------------------
([1])فارس الشعري، ثورة طلابية تجبر الحوثيين على مغادرة جامعة صنعاء (تقرير إخباري) ، صحيفة الأهالي (اليمنية)، 24/2/1436هـ-16 /12/ 2014م، العدد (371) ، ص 10.
([2]) إدارة أمن العاصمة تتولى مهمة حماية جامعة صنعاء باتفاق مع رئاستها (تقرير إخباري أعدّه أحمد الخزّان) ، صحيفة صدى المسيرة، 23 صفر 1436هـ - 15 ديسمبر/ كانون الأول 2014م، العدد (19)، ص 8.
([3]) انظر: على سبيل المثال: جامعة ابن النفيس (الأهلية)، الشؤون الأكاديمية، تعميم هام بشأن حضور دورة طوفان الأقصى، بدون تاريخ (وثيقة منفصلة).
شارك برأيك