استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري وعاجل. وحصل مشروع القرار على تأييد كل الدول الأعضاء في المجلس، 14 دولة، باستثناء الولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو. ويعد هذا أول فيتو أميركي ضد وقف الحرب وإدخال المساعدات منذ تولي الرئيس دونالد ترامب سدة الحكم في يناير/ كانون الثاني. وكان آخر قرار تبناه مجلس الأمن حول غزة في يونيو/ حزيران 2024، والذي نص على تأييده لخطة بايدن لوقف إطلاق النار متعددة المراحل، ولم يتم تحقيق إلا جزء منها.
ويحتاج أي قرار لتبنيه في مجلس الأمن إلى تسعة أصوات على الأقل، شرط ألا تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا) حق النقض (الفيتو). ويُرجح أن تصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة على نسخة مشابهة من النص الأسبوع المقبل، وأن تتمكن من تبنيه، إذ لا يوجد في آلية التصويت هناك حق فيتو، إلا أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة للدول كما هي قرارات مجلس الأمن الدولي. وقد بادرت الجزائر، الدولة العربية العضو في مجلس الأمن، إلى تقديم نص المشروع بالتعاون والتشاور مع بقية الدول الأعضاء غير الدائمة العضوية في المجلس (10 دول)، والتي دعمت وتبنت النص.
أبرز ما جاء في نص المشروع
طالب نص القرار بوقف فوري، غير مشروط ودائم، لإطلاق النار في غزة، تحترمه جميع الأطراف. كما طالب "برفع جميع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة فورًا ودون قيد أو شرط، وتوزيعها بشكل آمن ودون عوائق على نطاق واسع، بما في ذلك من قبل الأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين، في جميع أنحاء القطاع، فضلاً عن استعادة جميع الخدمات الأساسية، بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي والمبادئ الإنسانية المتمثلة في الإنسانية، والحياد، والنزاهة، والاستقلال، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة". وذكّر بمطالبات سابقة لمجلس الأمن حول الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين لدى حركة "حماس" والجماعات الأخرى.
وأعرب نص القرار عن دعم مجلس الأمن "لجهود الوساطة التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة الأميركية من أجل أن تعود الأطراف فورًا إلى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في جميع مراحله، على النحو المبين في قرار مجلس الأمن 2735 (2024)، بما يؤدي إلى إنهاء الأعمال العدائية بشكل دائم، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وتبادل الأسرى الفلسطينيين، وإعادة كل الرفات، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، فضلاً عن بدء خطة إعادة إعمار كبرى متعددة السنوات في القطاع".
كما نص القرار على أن مجلس الأمن يعرب عن قلقه البالغ "إزاء الوضع الإنساني الكارثي، بما في ذلك خطر المجاعة الذي حدده تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، والتطورات الأخيرة في قطاع غزة"، ويؤكد "من جديد أن جميع الأطراف يجب أن تمتثل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، حسب الاقتضاء، والقانون الإنساني الدولي". ويعيد مشروع القرار التأكيد على "مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة"، في الوقت الذي يستذكر فيه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
مواقف الدول
وقبل التصويت على المشروع، قال سفير سلوفينيا للأمم المتحدة، صموئيل زبوغار، في تقديمه للنص متحدثًا باسم الدول العشر غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، التي تبنت صياغة نص المشروع (الجزائر، الدنمارك، اليونان، غيانا، بنما، باكستان، كوريا الجنوبية، سيراليون، الصومال، وسلوفينيا): "يعكس هذا النص إجماع الدول على ضرورة وقف الحرب في غزة فورًا، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، ومنع تجويع المدنيين في غزة، وتمكينهم من الوصول الكامل ودون عوائق إلى المساعدات". وأشار إلى أن هذه الأسباب لعبت دورًا رئيسيًا في صياغة مشروع قرار "إنساني موجز يُعرب عن قلقنا البالغ إزاء الوضع في غزة، بما في ذلك خطر المجاعة".
وبعد التصويت واستخدام الفيتو الأميركي، تحدث بصفته الوطنية وقال: "كنا على دراية باختلاف المواقف داخل المجلس. ولذلك، ركز مشروع القرار على جانب واحد فقط – الجانب الإنساني. وقد رأينا، نحن الأعضاء المنتخبون (الدول غير دائمة العضوية)، أنه على مجلس الأمن أن يتحد حول هذا المطلب المُلحّ بتوفير وصول إنساني دون عوائق، ولإيصال الغذاء إلى المدنيين الجائعين". ووصف ما تقوم به إسرائيل من تجويع للفلسطينيين في غزة و"إلحاق معاناة هائلة بهم" بأنه "عمل لا إنساني ومخالف للقانون الدولي. ولا يمكن لأي هدف حربي أن يبرر ذلك". وشدد على أنه، وعلى الرغم من عدم اعتماد القرار بسبب الفيتو الأميركي، فإن "تأييد 14 دولة يحمل رسالة قوية... مفادها: كفى لمعاناة المدنيين... كفى لاستخدام الغذاء كسلاح".
وعلّلت المندوبة الأميركية بالإنابة، دورثي شيا، تصويت بلادها ضد مشروع القرار بوصفه "منحازًا"، وأنه لا "يدين حركة حماس ولا يطالبها بتسليم سلاحها ومغادرة غزة". كما تحدثت عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وادعت أن مشروع القرار يعيق جهود المفاوضات. ويشار إلى أن حججًا مشابهة كانت إدارة بايدن قد استخدمتها في السابق عند استخدام الفيتو ضد مشاريع مشابهة طالبت بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.
من جهتها، قالت المندوبة البريطانية، باربرا ودوارد، إن بلادها صوتت لصالح المشروع لأن "الوضع الذي لا يُطاق في غزة يجب أن ينتهي. نحن مصممون على أن نرى نهاية لهذه الحرب، وتأمين إطلاق سراح المحتجزين لدى حماس، وتخفيف الوضع الإنساني الكارثي للفلسطينيين في غزة". وأضافت أن "قرارات الحكومة الإسرائيلية بتوسيع عملياتها العسكرية في غزة وتقييد المساعدات بشدة، غير مبررة، وغير متناسبة، وتأتي بنتائج عكسية، والمملكة المتحدة تعارضها تمامًا". ونوهت: "تقول الحكومة الإسرائيلية إنها فتحت المجال لوصول المساعدات بنظامها الجديد، لكن الفلسطينيين، الذين هم بأمس الحاجة لإطعام عائلاتهم، قُتلوا وهم يحاولون الوصول إلى مواقع المساعدات القليلة جدًا التي سمحت بها إسرائيل. هذا غير إنساني. ندعم دعوة الأمم المتحدة لإجراء تحقيق فوري ومستقل".